وثيقة:بيان نسوية سوداء
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | تجمع نهر كومباهي |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | الهامش |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://al-hamish.net/بيان-نسوية-سوداء-مجموعة-نهر-كومباهي/
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | http://archive.is/D59WW
|
ترجمة | الهامش |
لغة الأصل | الإنجليزية |
العنوان الأصلي | Combahee River Collective Statement |
تاريخ نشر الأصل |
يوجد ترجمة أخرى لهذا البيان؛ ترجمة مارينا سمير ونشر ويكي الجندر في يوليو 2019.
قد توجد وثائق أخرى مصدرها الهامش
مقدمة الهامش:
نقدم هنا البيان التأسيسي تجمع نهر كومباهي (Combahee River Collective) وهو تجمّع نسويات سود تأسس أثناء الموجة النسوية الثانية بهدف التصدي لمسألة عدم تطرق المنظمات تحرر النساء السائدة للمسائل المتعلقة بالعنصرية العرقية والعرقانية وما يعنيه ذلك لحياة النساء السود، وعدم تطرق منظمات تحرر السود للمسائل المتعلقة بالعنصرية الجنسية، ما استلزم قطيعة نظرية مع النسوية البيضاء، ومأسسة نسوية سوداء تحتل فيها كل ما يستلزمه تحرر النساء السود أولوية، من مختلف أشكال الاضطهاد و الاستغلال الجنسي والعرقي والرأسمالي والإمبريالي، كما تشير ميشيل والاس: «لكوننا في القاع، علينا أنْ نقوم بما لم يقم به أحد من قبل: علينا أن نحاربَ العالم بأكمله».
في ما يرفضه تجمع نهر كومباهي تشابه مع ما نشهده اليوم في «تمكين المرأة» الذي يتجاهل المواقع الاجتماعية المختلفة لمختلف النساء في السعودية، وفي البلاد العربية، فنفس المنظومة تمكن المرأة النخبوية المتمكنة من الوصول لمجلس أمة أو مجلس شورى، تقمع آلاف النساء الواقعات تحت طغيان نظام الولاية ونظام الكفالة، بل إن هذه المرأة المُمَكَّنة تحافظ على هذا التمكين بالمساعدة في قمع غيرها.
يتطرق تجمع نهر كومباهي في هذا البيان لمعتقداتهن وللمشاكل التنظيمية التي كانت، وما تزال، نساءٌ مهمَّشات تواجهنها في النضالات السياسية، مثلًا في عدم امتلاكهن الموارد المتوفرة لدى الفئات الأخرى التي رغم اضطهادها فما زال لدى بعضها امتيازٌ عرقي أو جنسي، ونرى في ذلك أيضًا أوجه شبه مع الحركة النسوية العربية.
بيان نسوية سوداء
نحن مجموعة من النسويات السود[1]نعقد اجتماعاتٍ منذ 1974. في تلك الأثناء خضنا في عملية تعريف وتوضيح سياساتنا، بينما مارسنا في الوقت نفسه العمل السياسي داخل جماعاتنا وفي ائتلاف مع حركات ومنظمات تقدمية أخرى. البيان الأوسع حول سياساتنا في الوقت الراهن هو أننا ملتزماتٌ على نحوٍ فاعل بالنضال ضد الاضطهاد العرقي والجنسي والغيراني2والطبقي، ونرى مهمتنا المحددة تنشئة تحليلٍ وممارسة متمفصلة ومدمجة تستند على حقيقة أن الأنظمة الاضطهادية الكبرى متعاقدة. إنَّ توليف أشكال الاضطهاد هذه يخلق ظروف حياتنا. بصفتنا نساء سود نرى في النسوية السوداء حركة سياسية منطقية لمحاربة أشكال الاضطهاد المتشعبة المتزامنة التي تواجهها كل النساء الملوّنات3.
سنناقش في الورقة أدناه أربعة مواضيع رئيسة: (1) تكوّن النسوية السوداء المعاصرة؛ (2) ما نؤمن به، أو بالأحرى الميدان المحدد لسياساتنا؛ (3) المشاكل الكامنة في تنظيم النسويات السود، بما في ذلك تاريخٌ موجز لمجموعتنا؛ (4) مواضيع وممارسات النسوية السوداء.
1. تكوين النسوية السوداء المعاصرة قبل النظر في التطورات الأخيرة في النسوية السوداء نود أن نؤكد أننا نجد أصولنا في الواقع التاريخي في نضال ومخاطرة النساء الأفرو-أمريكيّات بحياتهن لأجل البقاء والتحرر. علاقةُ النساء السود السلبية للغاية مع النظام السياسي الأمريكي (نظامُ حكم الذكر الأبيض) لطالما حددها انتماؤنا في طائفتين مُضطهدتين إحداهما عرقية والأخرى جنسية. كما تشير أنجيلا ديفس في «تأملات حول دور النساء السود في مجمعات المستعبدين»، دائمًا ما جسدت النساء السود، حتى ولو في تجلّيهن الجسدي فقط، موقفًا خصوميًّا لحكم الذكر الأبيض وبادرن بمقاومة تجاوزاته علين وعلى مجتمعاتهن مقاومةً صريحة تارة، وغير ملحوظة تارةً أخرى. لطالما كانت هنالك ناشطاتٌ سود—بعضهن معروفات، مثل سوجرنر تروث4، هارييت تبمان5، فرانسيس هاربر6، إيدا بي ويلز بارنيت7، ماري تشرش تاريل8، وآلافٌ مؤلفة مجهولات الاسم—تشاركن إدراكًا بكيفية اندماج هويّتهن الجنسية مع هويّتهن العرقية لتجعلن من كامل وضع حياتهن وتركيز نضالاتهن السياسية أمرًا فريدًا. النسوية السوداء المعاصِرة لهي امتدادٌ لأجيالٍ لا تحصى من التضحيات الشخصية لأمهاتنا وأخواتنا ومن ونضالهن ونشاطهن.
نمى وجود النسوية السوداء في أوضح تجلياته في ارتباطٍ مع الموجة الثانية لحركة النساء الأمريكية بداية في أواخر الستينات. انخرطت النساء السود، وغيرهن من نساء العالم الثالث9، ونساء الطبقة العاملة في الحركة النسوية منذ بدايتها، ولكن كلًّا من القوى الرجعية من خارج الحركة، والعرقانية10والنخبوية داخل الحركة نفسها، عملتا على إخفاء مشاركتنا. في 1972، شعرت النسويات السود، في نيو يورك تحديدًا، بضرورة تشكيل مجموعة نسويّة سوداء منفصلة، وتمخض عن ذلك الجهد «المنظمة النسوية السوداء الوطنية».
لسياسات النسوية السوداء صلةٌ بديهية بحركات تحرر السود، وتحديدًا حركات الستينات والسبعينات. انخرطت العديد منا في تلك الحركات (حركة الحقوق المدنية11، حركة القومية السوداء12، وحزب الفهود السود13)، وكامل حياتنا تأثرت وتغيّرت كثيرًا بأيدولوجيّات تلك الحركات وأهدافها والتكتيكات التي استخدمت لتحقيق أهدافها. إنَّ تجربتنا وخيبتنا بحركات التحرر هذه، ومعها تجربتنا في محيط يسار الذكر الأبيض، هي ما قادنا لإدراك الحاجة لتنشئة سياساتٍ مناهضة للعرقانية، خلافًا لسياسات النساء البيض، ومناهضة للعنصرية الجنسية، خلافًا لسياسات الرجال السود والبيض.
هنالك أيضًا بلا شك جذورٌ شخصية للنسوية السوداء، ألا وهي الإدراك السياسي الناتج عن التجارب الشخصية مظهريًّا للحيواتِ الفردية للنساء السود. مررنا نحن النسويات السود، وغيرنا الكثير من النساء السود اللاتي لا تعرّفن أنفسهن كنسويات، جميعًا باضطهادٍ جنسيٍّ كعاملٍ دائم في وجودنا اليومي. في طفولتنا أدركنا أننا مختلفاتٌ عن الأولاد وأننا نتلقى تعاملًا مختلفًا. مثلًا، قيل لنا بنفسٍ واحد أن نلتزم الصمت لأجل أن «نتصرف كالسيدات المحترمات» ولكي نكون أقل استهجانًا في عيون البِيض. ومع كبرنا أصبحنا مدركاتٍ بتهديد التعنيف الجسدي والجنساني من قبل الرجال. لكن لم تكن لدينا طريقةٌ لتصوير مفهومٍ يشرح ما كان جليًّا وواضحًا أمام أعيننا، ما كنا نعرف حق المعرفة أنه حاصل.
تتحدث النسويات السود كثيرًا عن شعورهن بالجنون قبل أن تصبحن واعياتٍ بمفاهيم السياسات الجنسية والحكم الأبوي، و—الأهم من ذلك كله—النسوية، أي: التحليل والممارسة السياسية التي نستخدمها نحن النساء للنضال ضد اضطهادِنا. لم تسمح لنا حقيقةُ أن السياسات العرقية، بل والعرقانية أيضًا، عوامل متخللة لحيواتنا—وما زالت لا تسمح لأغلب النساء السود—بأن نلقي نظرة أعمق في تجاربنا وأن نبني، من ذاك التشارك والوعي المتنامي، سياساتٍ ستغير حيواتنا وتنهي اضطهادنا لا محالة. يجب أن يرتبط نموّنا بالموقع الاقتصادي والسياسي المعاصر للسود. إن جيل الشباب السود من بعد الحرب العالمية الثانية كان أول جيلٍ أصبح قادرًا على المشاركة بقدرٍ محدود في خياراتٍ تعليمية ووظيفية محددة كانت مغلقة تمامًا في السابق أمام السود. رغم أن موقعنا الاقتصادي ما يزال في أدنى قاع الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي، إن حفنة منا تمكنوا من كسب أدواتٍ معينة كنتيجةٍ للقبول الرمزي14بنا في التعليم والتوظيف، الأمر الذي قد يمكننا من شن قتالٍ أنجع ضد اضطهادنا.
جمعَنا بادئًا موقفٌ مرَكب مناهض للعرقانية والعنصرية الجنسية، ومع نموّنا السياسي تطرقنا بأنفسنا للعنصرية الجنسية الغيرانية والاضطهاد الاقتصادي في ظل الرأسمالية.
2. ما نؤمن به قبل كل شيء، سياساتنا نبَعت بادئًا من الإيمان المشترك بأن للنساء السود حقًا، في جوهرهن، قيمة، وأن تحررنا ضرورة ليس كمُلْحقٍ لازدهار شخصٍ آخر بل لحاجاتنا كأشخاص، كبشر، للاستقلالية. قد يبدو هذا الأمر بسيطًا من بداهته، ولكن من الواضح أن أيًّا من الحركات الأخرى التقدميّة مظهريًّا لم تنظر في اضطهادنا تحديدًا كأولوية وَلَمْ تعمل بجدّية لإنهاء هذا الاضطهاد. إنَّ سطر الصور النمطية الازدرائية المتعلقة بالنساء السود (مثل: مامي15، متريارك16، الياقوتة الزرقاء17، العاهرة18، بولداغر19) بحد ذاته، ناهيك عن فهرسة التصرفات الوحشية، التي كثُرَ ما تكون قاتِلة، يبين ضآلة القيمة التي أضفيت على حيواتنا أثناء أربعة قرون من الاستعباد في النصف الغربي من الكوكب. نحن ندرك أنَّه لا أحد سوانا يهتمُّ بنا بما فيه الكفاية ليعمل بثباتٍ لأجل تحررنا. تنبع سياساتنا من حُبٍّ صحّي لأنفسنا، وأخواتنا، ومجتمعنا، مما يسمح لنا بالاستمرار في نضالنا وعملنا.
هذ التركيز على اضطهادنا تحديدًا متجسدٌ في مفهوم سياسات الهوية. نؤمن أن أعمق بل ولربما أكثرُ السياساتِ راديكاليّةً تنبع مباشرةً من هويتنا، بدلًا من العمل على إنهاء اضطهادِ شخصٍ آخر. في حالة النساء السود إن ذلك لَمفهومٌ بغيضٌ، خطير، مُهدِّد وَمِن ثمَّ ثوري للغاية، لأنّه من الجلي عند النظر إلى كافة الحركات السياسية التي سبقتنا أنَّها رأت في الجميع أكثر استحقاقًا منا بالتحرر. نرفضُ أنْ نُبجَّلْ أو أن ينظر لنا كَمَلِكات وأنْ نسير في الحركات متأخراتٍ عشر خطوات. أن يقرَّ بنا كبشر، بشر كبقية البشر، لهو كافي.
نؤمن أن السياسات الجنسية في ظل الأبوية تتخلل حيوات النساء السود بقدر ما تتخللها سياسات الطبقة والعرق. كثيرًا ما نجد صعوبة في فصل الاضطهاد العرقي عن الطبقي وعن الجنسي لأنه، في حيواتنا، غالبًا ما نمر بأشكال الاضطهاد هذه متزامنة. نحن نعرف أن هنالك ما يمكن تسميته اضطهادٌ جنسيٌّ عرقي، وهو اضطهادٌ ليس عرقيًّا محضًا ولا جنسيٌّا محضًا، وتاريخ اغتصابِ النساء السود من قبل الرجال البِيض كسلاح قمع سياسي مثالٌ على ذلك.
رغمَ أنّنا نَسويّات وَسحاقيّات20، نحن متضامنات مع الرجال السود التقدّميين ولا ندعو إلى التشرذم الذي تطالب به الانفصاليّات21من النساء البِيض. وضعنا كسود يستلزم أن نحتضن تضامنًا حول واقع العرق، وهو أمرٌ لا تحتاج إليه بالطبع النساء البِيض مع الرجال البِيض، إلّا إذا كان تضامنهن سلبي بصفتهن مُضطهِدينْ عرقيين. نحن نصارع إلى جانب الرجال السود ضد العرقية، ونتصارع مع الرجال السود حول العنصرية الجنسية.
ندرك أن تحرير كل المضطهَدات والمضطهَدين يتطلب تدمير الأنظمة الاقتصادية السياسية للرأسمالية والإمبريالية، ومعها الأبوية. نحن اشتراكيّاتٌ لأننا نؤمن بوجوب تنظيم العمل للمصلحة الجميع لكل من تنفذ وينفذ العمل وتصنع ويصنع المنتجات، وليس لأرباح أرباب العمل. يجب توزيع الموارد المادية بمساواة بين صنّاع هذه الموارد. لكننا لسنا مقتنِعاتٍ بأنَّ ثورةً اشتراكية ليست أيضًا ثورةً نسوية ومناهِضة للعرقية ستضمن تحررنا. وصلنا إلى ضرورة تطوير فهمٍ للعلاقات الطبقية يضع بعين الاعتبار الموقع الطبقي المحدَّد للنساء السود اللاتي تحتلن مكانةً هامشية في القوى العاملة، بينما في هذا الوقت هنالك من يرغب—مؤقتًا—بإدخالِ بعضٍ منا في الوظائف المكتبية كواجهة صُوريّة نسائية سوداء. علينا صياغة وشرح الوضع الطبقي الحقيقي الخاص بأشخاصٍ لسن ذلك العامِل المجرَّد الذي لا عرق ولا جنس له، بل بِمن الاضطهاد العرقي والجنسي مُحدِّدانِ مهمّان في حيواتهن وحيواتهم العملية/الاقتصادية. رغم أننا في اتفاقٍ جوهري مع نظرية ماركس حيث تنطبق على العلاقات الاقتصادية المحددة جدًا التي حَلّلها، فحن نعلم أنَّ تحليله يجب توسيعه أكثر لكي نفهم وضعنا الاقتصادي المحدد بصفتنا نساءً سود.
أحد المساهمات السياسية التي نشعر أننا قد حققناها هي توسيع المفهوم النسوي القائل إن الشخصي سياسي. في جلسات رفع الوعي التي عقدناها، مثلًا، تجاوزنا بعدة طرق استكشافات النساء البِيض لأننا نتعامل مع مضامين العرق والطبقة ومعها الجنس. حتى حديثنا/شهاداتنا بأسلوب النساء السود، وَبِلغة السود، حول ما مررنا به، لهو أمرٌ يحمل صدىً ثقافيًّا وسياسيًا أيضًا. لقد استنفذنا طاقاتٍ كبيرة في خوضنا في الطبيعة الثقافية والخِبْرِية22لاضطهادنا وقد قمنا بذلك اضطرارًا لأنه ليس في هذه القضايا ما نُظِر فيه من قبل. لم يتفحص أحدٌ من قبل التركيبة المتعددة المستويات لحيوات النساء السود. حدث مثالٌ على هذا النوع من الاستكشاف وخلق المفاهيم أثناء اجتماعٍ ناقشنا فيه الطرق التي هوجمت فيها اهتماماتنا الفكرية من قِبل أقراننا، الذكور السود تحديدًا. اكتشفنا أننا جميعًا، لأننا «ذكيّات»، اعتُبِرنا أيضًا «قبيحات»، أو بالأحرى «ذكيات-قبيحات». بَلورَ نعتنا بـ «ذكيّات-قبيحات» الطريقة التي أجبُرتْ أغلبنا على تطوير فكرنا بتكلفة (ضخمة) لحيواتنا «الاجتماعية». العقوبات المفروضة في مجتمعات السود والبيض ضد المُفكِّرات من النساء السود أعلى بكثير مقارنةً بالنساء البِيض، بالتحديد المنتميات من هؤلاء الأخيرات للطبقات المتعلمة الوسطى والعليا.
لقد أسلفنا بالذكر أننا نرفض موقف الانفصالية السحاقية لأنها ليست استراتيجية أو تحليلًا سياسيّيْن ناجعيْن لنا. إنها تقصي الكثير من الأمور والكثير من الناس، تحديدًا الرجال والنساء والأطفال السود. لدينا الكثير من النقد والاشمئزاز مما كُيَّفَ الرجال اجتماعيًّا ليكونوه في هذا المجتمع: ما يؤيدون، وما يسلكون، وما يضطهدون. لكننا لا نحمل تلك الفكرة الضالة القائلة إنَّ ذكورتهم، بحد ذاتها—أي، ذكورتهم البيولوجية—هي ما يجعلهم على ما هم عليه. بصفتنا نساءً سود نجد أي شكلٍ من أشكال الحتمية البيولوجية قاعدةً شديدة الخطورة والرجعية لتبنى عليها سياسات ما. علينا أنْ نشكك أيضًا فيما إذا كانت الانفصالية السحاقية تشكل استراتيجية وتحليلًا سياسيّيْن تقدميّيْن وَلائقين، حتى لمن تتمرسنها، إذْ أنّها تنكر كل مصادر اضطهاد النساء سوى الجنسية منها، مما ينفي واقع الطبقة والعرق.
3. مشاكل في تنظيم النسويات السود أثناء السنين التي قضيناها معًا كتجمع نسوية سوداء مررنا بنجاحاتٍ وهزائم، أفراح وآلام، انتصارات وإخفاقات، وَوجدنا أنّه من الصعب جدًا التنظيم حول القضايا النسوية السوداء، بل ومن الصعب التصريح حتى بأننا نسويَّاتٌ سود. حاولنا التفكير بالأسباب الكامنة وراء هذه الصعوبات، خصوصًا لاستمرار حركة النساء البِيض ونموّها بِقوّة وبعدة اتجاهات. في هذا القسم، سنناقش الأسباب العامة للمشاكل التنظيمية التي نواجه، وسنتحدث تحديدًا عن مراحل تنظيم مجموعتنا.
مصدر الصعوبة الرئيس في عملنا السياسي هو أننا لسنا نحاولُ القتال على جبهةٍ أو جبهتين فقط، بل نحاول التصدي لِطَيفٍ واسع من الاضطهادات. ليس لدينا امتيازٌ عرقي أو جنساني أو غيراني نتكل عليه، وليس لدينا أدنى قدرة على الحصول على الموارد والقوة التي تملكها المجموعات الأخرى التي تحمل أيًّا من هذه الامتيازات.
لا يمكن الاستخفاف أبدًا بالتكلفة النفسانية التي يحملها العيش كامرأة سوداء والصعوبات التي يفرضها ذلك في الوصول إلى وعي سياسي والقيام بعملٍ سياسي. لا يعدّ هذا المجتمع—العنصري عرقيًّا وجنسيًّا—الوضع النفساني للنساء السود أمرًا ذو قيمة أبدًا، فكما قالت إحدى العضوات الأوائل في المجموعة: «نحنُ بشرٌ معطوبات لمجرّد كوننا نساءً سود». نحن محرومات نفسانيًّا وبكلّ مستوىً آخر، ومع ذلك نشعر بضرورة النضال لتغيير أوضاع كل النساء السود. في «بحث نسوية سوداء عن أختيّة»، تصل ميشيل والاس إلى الاستنتاج التالي:
وجودونا هو وجود نساءْ، نساء سود، نساء سود نسويَّات، ثلاثة نعوتٍ منعزلة عن بعضها حتى الآن، تعملُ باستقلالٍ عن بعضها البعض لعدم وجود بيئة في هذا المجتمع حتى الآن تلائم نضالنا ولو من بعيد—فلكوننا في القاع، علينا أنْ نقوم بما لم يقم به أحد من قبل: علينا أن نحاربَ العالم بأكمله.
والاس متشائمة لكنها واقعية في تحليلها لموقعنا نحن النسويات السود، تحديدًا تنويهها بذلك الانعزال شبه الكلاسيكي الذي نواجه. لكن لربما علينا استخدام موقعنا في القاع، لنقوم بِوَثبةٍ واضحة نحو الحراك الثوري. إن أصبحت النساء السود أحرارًا، سيعني ذلك أنَّ باقي الناس جميعًا سيكونون أحرارًا، ذلك لأن حريّتنا ستتطلب تدمير كل أنظمة الاضطهاد.
ولكنَّ النسوية تشكل تهديدًا لغالبية السود لأنها تشكك في بعضَ أكثرِ الافتراضات الأساسية لوجودنا، ألا وهو أنَّ الجنس يجب أنْ يكون محدد علاقات القوة. فلننظر لطريقة تعريف أدوار الذكور والإناث في كرّاسٍ للقومية السوداء نُشِرَ في أوائل السبعينات:
علينا أن نفهم أنّه من تقاليدنا أن يكون الرجل ربُّ الأسرة. إنّه قائد الأسرة/الأمَّة لأنَّ معرفته بالعالم أوسع، وَوَعيه أعلى، وفهمه أكملُ وتطبيقه ومعلوماته أَعْقَل…فبالنتيجة، من العقل قطعًا أنْ يكون الرجل ربَّ الأسرة لقدرته على الدفاع عن تنمية منزله وحمايته…لا يمكن للنساء أنْ يقوموا بما يقوم به الرجال—أودعت الطبيعة فيهن وظيفة مختلفة. المساواة للرجال والنساء لا يمكن أنْ تحدث ولا حتى في عالم التجريد. ليس الرجال متساوين مع غيرهم من الرجال، في القدرة، في الخبرة، أو حتى في الفهم. يمكن أن ننظر لقيمة الرجال والنساء مثلما ننظر في قيمة الذهب والفضة—ليسا متساويين ولكن لكلاهما قيمةٌ عظيمة. يجب أن ندرك أن الرجال والنساء مكمِّلان بعضمها البعض لأنه لا يوجد منزل/أسرة دون رجلٍ وزوجته. كلاهما ضروريّان لوجود الحياة.
ردة فعل الرجال السود تجاه النسوية اشتهرت بسلبيّتها. تُهدِّدُهم بالتأكيد إمكانيّة تنظيم أنفسنا، نحن النَسويَّات السود، حولَ حاجاتنا أكثر مما يهدد ذلك النساء السود. إنّهم يدركون أنّهم قد يفقدون حلفاء قَيّماتٍ ومثابراتٍ في نضالهم، بل وقد يجبرون على تغيير أساليبهم الاعتيادية العنصرية جنسيًّا تجاه النساء السود واضطهادهم لهن. تشكّل الاتهاماتُ الموجهة للنسوية السوداء بكونها تقسَّم نضال السود زاجِرًا وَرادعًا قويًّا أمام تشكُّل حركة مستقلَّة للنساء السود.
ومع ذلك، نشطت مئاتُ النساء في مختلف الأوقات في عمر مجموعتنا هذه ذات الثلاثة أعوام، وكلُّ امرأة سوداء قدمتْ، قدمت نتيجة شعورٍ قوي بالحاجة لمستوىً من الإمكانْ لم يوجد سابقًا في حياتها.
حين بدأنا اجتماعاتنا بدايات عام 1974 بُعيْد المؤتمر الإقليمي الشرقي الأول للمنظمة النسوية السوداء الوطنية، لم تكن لدينا استراتيجية للتنظيم أو تركيزٌ معين حتى. أردنا فقط أن نرى ما هو لدينا. بعد أشهرٍ من دون أي اجتماع، بدأنا نلتقي مرةً أخرى في أواخر العام وبدأنا القيام بتشكيلة مكثفة من أنشطة رفع الوعي. الشعور الذي غمرنا جميعًا كان، إنّنَا أخيرًا، وبعد سنين طويلة، ها قد وجدنا بعضنا البعض. رغمَ أنّنا لم ننخرط في العمل السياسي وقتها كمجموعة، استمرت الأفراد بانخراطهن في السياسات السحاقية، النشاط المعني بالانتهاكات المتعلقة بالتعقيم23وحقوق الإجهاض، ونشاطات نساء العالم الثالث في اليوم العالمي للمرأة، ودعم النشاطات المعنية بمحاكمات الدكتور كينيث إيديلن، جوان ليتل، وإنيز غارسيا.24أثناء صيفنا الأول حين انخفض عدد عضواتنا كثيرًا، كرَّسَت من بَقين منا وقتهن لنقاشٍ جاد في إمكانية فتح ملجأ للنساء المُعنَّفات في مجتمعنا الأسود (لم يوجد هنالك وقتها ملجأ في بوسطن). قررنا أيضًا في ذلك الوقت أن الوقت قد حان لنصبح مجموعة مستقلة، وذلك لحملنا اختلافاتٍ جادة مع الموقف النسوي البرجوازي للمنظمة النسوية السوداء الوطنية وافتقارها لتركيزٍ سياسي واضح.
تواصلَت معنا وقتها أيضًا نسويَّات اشتراكيات عملنا معهن في النشاطات المعنية بحقوق الإجهاض، أردن أن يشجعننا لحضور المؤتمر الاشتراكي النسوي الوطني في يَيلو سبرينغس.25إحدى عضواتنا حضرت المؤتمر رغم ضِيق الأيديولوجية التي رُوِّجَت في ذاك المؤتمر تحديدًا، وأصبحنا أكثر وعيًا لحاجتنا لفهم وضعنا الاقتصادي وقيامنا بتحليلٍ اقتصادي خاصٍّ وَمعنيٍّ بنا.
في الخريف، حين عادت بعض العضوات، مررنا بِعِدّة أشهر من انعدامٍ نسبيٍّ للنشاط، والخلافات الداخلية التي بزرت بادئًا في انشقاقٍ بين السحاقيات والغيرانيّات، ولكنها كانت نتيجةً لاختلافاتٍ طبقية وسياسية. في ذاك الصيف، أقرَّت أولئك اللاتي استمررن في الاجتماع بالحاجة إلى النشاط السياسي وتجاوزْ رفع الوعي واقتصارِ عملنا على العمل كمجموعة دعم عاطفي. في بداية 1976، حين توقفت بعض النساء، اللاتي لم ترغبن بالانخراط في النشاط السياسي واللاتي قد عبّرن عن اختلافاتهن، عن الحضور إلى الاجتماعات من تلقاء أنفسهن، بحثنا مرّةً أخرى عن تركيزٍ محدد. قررنا في ذلك الوقت، مع وجود أعضاء جدد، أن نشكل مجموعة دراسة. دائمًا ما كنا نشارك ما نقرأه مع بعضنا البعض، وبعضنا كتبن أوراقًا عن النسوية السوداء لنقاشات المجموعة قبل بضعة أشهر من اتخاذنا هذا القرار. بدأنا بالعمل كمجموعة دراسة وبدأنا بمناقشة إمكانية تأسيس منشور نسوية سوداء. عقدنا مخيّمًا في أواخر الربيع وفّر لنا الوقت للنقاشات السياسية وأيضًا لمعالجة المشاكل الشخصية بيننا. نشعر حاليًّا أنّه من الجوهري تمامًا أن نبين واقعَ سياساتنا للنساء السود الأخريات وأن نؤمن أننا بإمكاننا أن ننفذ ذلك بكتاباتنا وتوزيع نصوصنا. واقعُ أنَّ أفرادًا نسويّات سود يعشن بانعزالٍ في مختلف أطراف البلاد، وَواقعُ أنَّ أعدادنا صغيرة، وأنَّ لدينا بعضُ المهارات في الكتابة والطباعة والنشر، يجعلنا راغباتٍ في الشروع في مثل هذه المشاريع كطريقةٍ لتنظيم النسويّات السود أثناءَ استمرارنا بالنشاط السياسي بتحالفٍ مع مجموعاتٍ أخرى.
4. القضايا والمشاريع النسوية السوداء في الوقت الذي قضيناه معًا اكتشفنا وعملنا على عدة قضايا معنية خصوصًا بالنساء السود. إن اتصاف سياساتنا بالاشتمالية يجعلنا مهتمّاتٍ بأي وضعٍ يَمَسُّ حيواتِ النساء، وشعوب العالم الثالث والفئات العامِلة. نحن بالطبع ملتزماتٌ تحديدًا بالعمل في تلك النضالات حيثُ العرق والجنس والطبقة تشكّل عواملًا متزامنة في الاضطهاد. قد ننخرط مثلًا في تنظيمٍ في مصنع يوظف نساءً من العالم الثالث أو نرابط في خط اعتصامٍ عند مستشفى يخفض من ميزانية الرعاية—غير الملائمة أساسًا—الموفرة لجماعات26 العالم الثالث، أو نُقيم مركز معالجة أزمات اغتصاب في حيٍّ للسود. الانخراط التنظيمي حول شؤون الرعاية والعناية النهارية قد يكون تركيزًا بحد ذاته هو الآخر. العمل الواجب تنفيذه والقضايا العديدة التي يمثلها هذا العمل ليست إلّا انعكاسًا لتفشي هذا الاضطهاد الذي نواجه.
تتضمن القضايا والمشاريع التي انخرطت فيها فعلًا عضواتنا على نحوٍ جماعي تشمل الانتهاكات المتعلقة بالتعقيم، حقوق الإجهاض، النساء المعنفات، الاغتصاب، والرعاية الصحية. لقد عقدنا أيضًا العديد من الورش والحلقات التعليمية عن النسوية السوداء في الأحرام الجامعية، وفي مؤتمرات النساء، ومؤخرًا لنساء المدارس الثانوية.
أحدُ القضايا التي تعنينا كثيرًا، والتي بدأنا في التصدي لها علنًا هي مسألة العرقانية في حركة النساء البِيض. بصفتنا نساءً سود، تَجعلُنا النساء البِيْض ندركْ إدراكًا مستمرًا ومؤلمًا بكم هو ضئيلٌ ذلك الجهد الذي تبذلنه لتفهمن وتحاربن العرقانية، الأمر الذي يتطلب أن يتجاوزَ استيعابهن للعرق، واللون، وتاريخ وثقافة السود—من بين أشياءَ أخرى—مقدارهُ السطحي الحالي. إن إلغاء العرقانية في حركة النساء البِيض هو—تعريفًا—عملٌ يجب أن تقوم به النساءُ البِيض، ولكننا سنستمر في بالحديث عن هذه القضية والمطالبة بأن يُحَمّلن المسؤولية.
في ممارستنا سياساتنا لا نؤمن أنَّ الغاية دائمًا تبرر الوسيلة. نُفِّذَت العديد من الأعمال الرجعية والمدمرة بِاْسم تحقيق أهداف سياسية «صحيحة». بصفتنا نَسويّات، لا نرغب بتدمير حياة الناس بِاْسم السياسة. إننا نؤمن بعملية جماعية وتوزيعٍ غير هرمي للسلطة والقوة في داخل مجموعتنا وفي رؤيتنا للمجتمع الثوري. نحن ملتزماتٌ بتمحيصٍ مستمر لسياساتنا مع تطورها من خلال النقد والنقد الذاتي كجانبٍ جوهري لممارستنا. في مقدمتها لـ «الأختية جبّارة»، تكتب روبن مورغان:
ليس لدي أدنى فكرة عن أي دورٍ ثوريٍّ ممكن أن يلبّيه الرجال البِيض الغَيرانيّون، إذْ أنّهم التجسد العيني لقوى المصالح الرجعية.
بصفتنا نسويّات سود وسحاقيّات، نعلم أنَّ لدينا مهمة ثورية محددة جدًا يجب أن ننفذها. نحن مستعدات لنقضي حياتنا في العمل والنضال الذي أمامنا.
مصادر
- ↑ السّود: تكتب «سود» في البيان حيث الحرف الأول كبير (Black) إشارةً إلى كونها هوية